كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قاله الجوهري.
وأصل هذا اللفظ إنما هو أخذ الشيء في خفية من الأعين، ومنه استرق السمع، وسارقه النظر.
قال ابن عَرَفة: السارق عند العرب هو من جاء مستترًا إلى حِرْز فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذ من ظاهر فهو مختِلس ومُستِلب ومُنتهِب ومُحتِرس، فإن تمنع بما في يده فهو غاصب.
قلت: وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأسوأ السرقة الذي يَسرِق صلاته» قالوا: وكيف يسرق صلاته؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها». أخرجه الموطأ وغيره، فسماه سارقًا وإن كان ليس سارقًا من حيث هو موضع الإشتقاق، فإنه ليس فيه مسارقة الأعين غالبًا.
الثانية عشرة قوله تعالى: {فاقطعوا} القطع معناه الإبانة والإزالة، ولا يجب إلا بجمع أوصاف تعتبر في السارق وفي الشيء المسروق، وفي الموضع المسروق منه، وفي صفته.
فأما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف؛ وهي البلوغ والعقل، وأن يكون غير مالك للمسروق منه، وألا يكون له عليه وِلاية، فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده، وكذلك السيد إن أخذ مال عبده لا قطع بحال؛ لأن العبد وماله لسيده.
ولم يُقطَع أحد بأخذ مال عبده لأنه آخذ لماله، وسقط قطع العبد بإجماع الصحابة وبقول الخليفة: غلامكم سرق متاعكم.
وذكر الدَّارَقُطْني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على العبد الآبق إذا سرق قطع ولا على الذمي» قال: لم يرفعه غير فهد بن سليمان، والصواب أنه موقوف.
وذكر ابن ماجه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سرق العبد فبيعوه ولو بنَشٍّ» أخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة حدّثنا أبو أسامة عن أبي عَوَانة عن عمر بن أبي سَلمَة عن أبيه عن أبي هُرَيرة؛ قال ابن ماجه: وحدّثنا جُبَارَة بن المُغَلَّس حدّثنا حجاج بن تميم عن ميمون بن مِهران عن ابن عباس: أن عبدًا من رقيق الخُمس سرق من الخُمس، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه.
وقال: «مالُ اللّهِ سَرَق بعضه بعضًا» وجُبَارة بن المغَلِّس متروك؛ قاله أبو زُرْعَة الرَّازِي.
ولا قطع على صبي ولا مجنون.
ويجب على الذمي والمعاهد، والحربي إذا دخل بأمان.
وأما ما يعتبر في الشيء المسروق فأربعة أوصاف؛ وهي النّصاب وقد مضى القول فيه.
وأن يكون مما يُتمول ويتملك ويحل بيعه، وإن كان مما لا يتمول ولا يحل بيعه كالخمر والخنزير فلا يقطع فيه باتفاق حاشا الحر الصغير عند مالك وابن القاسم؛ وقيل: لاقطع عليه؛ وبه قال الشافعي وأبوحنيفة؛ لأنه ليس بمال.
وقال علماؤنا: هو من أعظم المال؛ ولم يقطع السارق في المال لعينه، وإنما قطع لتعلق النفوس به، وتعلقها بالحر أكثر من تعلقها بالعبد.
وإن كان مما يجوز تملكه ولا يجوز بيعه كالكلب المأذون في اتخاذه ولحوم الضحايا، ففي ذلك اختلاف بين ابن القاسم وأشهب قال ابن القاسم: ولا يقطع سارق الكلب؛ وقال أشهب: ذلك في المنهيّ عن اتخاذه، فأما المأذون في اتخاذه فيقطع سارقه.
قال: ومن سرق لحم أْضْحِيَّة أو جلدها قطع إذا كان قيمة ذلك ثلاثة دراهم.
وقال ابن حبيب قال أَصَبَغ: إن سرق الأُضْحِيَّة قبل الذبح قُطِع، وأما إن سرقها بعد الذبح فلا يقطع.
وإن كان مما يجوز إتخاذ أصله وبيعه، فصنع منه ما لا يجوز استعماله كالطُّنْبُور والملاهي من المزمار والعود وشبهه من آلات اللهو فينظر؛ فإن كان يبقى منها بعد فساد صورها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر قطع.
وكذلك الحكم في أواني الذهب والفضة التي لا يجوز إستعمالها ويؤمر بكسرها فإنما يقوم ما فيها من ذهب أو فضة دون صنعة.
وكذلك الصليب من ذهب أو فضة، والزيت النجس إن كانت قيمته على نجاسته نصابًا قطع فيه.
الوصف الثالث؛ ألا يكون للسارق فيه ملك، كمن سرق ما رهنه أو ما استأجره، ولا شُبْهة مِلك، على إختلاف بين علماؤنا وغيرهم في مراعاة شُبهْة ملك كالذي يسرق من المغنم أو من بيت المال؛ لأن له فيه نصيبًا.
وروى عن علي رضي الله عنه أنه أتى برجل سَرَق مغفرا من الخُمْس فلم ير عليه قطعًا وقال: له فيه نصيب.
وعلى هذا مذهب الجماعة في بيت المال.
وقيل يجب عليه القطع تعلقًا بعموم لفظ آية السرقة.
وأن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير والأعجمي الكبير، لأن ما لا تصح سرقته كالعبد الفصيح فإنه لا يقطع فيه.
وأما ما يعتبر في الموضع المسروق منه فوصف واحد وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق.
وجملة القول فيه أن كل شيء له مكان معروف فمكانه حِرْزه، وكل شيء معه حافظ فحافظه حِرْزه؛ فالدور والمنازل والحوانيت حِرْز لما فيها، غاب عنها أهلها أو حضروا، وكذلك بيت المال حِرْز لجماعة المسلمين، والسارق لا يستحق فيه شيئًا.
وإن كان قبل السرقة ممن يجوز أن يعطيه الإمام، وإنما يتعين حق كل مسلم بالعطية؛ ألا ترى أن الإمام قد يجوز أن يصرف جميع المال إلى وجه من وجوه المصالح ولا يفرقه في الناس، أو يفرقه في بلد دون بلد آخر ويمنع منه قومًا دون قوم؛ ففي التقدير أن هذا السارق ممن لا حق له فيه.
وكذلك المغانم لا تخلو: أن تتعين بالقسمة؛ فهو ما ذكرناه في بيت المال؛ أو تتعين بنفس التناول لمن شهد الوقعة؛ فيجب أن يراعى قدر ما سرق، فإن كان فوق حقه قطع وإلا لم يقطع.
الرابعة عشرة وظهور الدواب حِرْز لما حملت، وأفنية الحوانيت حِرْز لما وضع فيها في موقف البيع وإن لم يكن هناك حانوت، كان معه أهله أم لا؛ سرقت بليل أو نهار.
وكذلك موقف الشاة في السوق مربوطة أو غير مربوطة، والدواب على مرابطها محرزة، كان معها أهلها أم لا؛ فإن كانت الدابة بباب المسجد أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ؛ ومن ربطها بفنائه أو اتخذ موضعًا مَرْبِطًا لدوابه فإنه حِرْز لها.
والسفينة حِرْز لما فيها وسواء كانت سائبة أو مربوطة؛ فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة إن كانت سائبة فليست بمحرزة، وإن كان صاحبها ربطها في موضع وأرساها فيه فربطها حِرز؛ وهكذا إن كان معها أحد حيثما كانت فهي محرزة، كالدابة بباب المسجد معها حافظ؛ إلا أن يَنزلوا بالسفينة في سفرهم منزلًا فيربطوها فهو حِرز لها كان صاحبها معها أم لا.
الخامسة عشرة ولا خلاف أن الساكنين في دار واحدة كالفنادق التي يسكن كل رجل بيته على حدة، يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا أخذ وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار، وإن لم يدخل بها بيته ولا خرج بها من الدار.
ولا خلاف في أنه لا يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئًا وإن أدخله بيته أو أخرجه من الدار؛ لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء، إلا أن تكون دابة في مَرْبطها أو ما يشبهها من المتاع.
السادسة عشرة ولا يقطع الأبوان بسرقة مال ابنهما؛ لقوله عليه السلام: «أنت ومالك لأبيك» ويقطع في سرقة مالهما، لأنه لا شبهة له فيه.
وقيل: لا يقطع؛ وهو قول ابن وهب وأشهب؛ لأن الابن ينبسط في مال أبيه في العادة، ألا ترى أن العبد لا يقطع في مال سيده فلأن لا يقطع ابنه في ماله أولى.
واختلفوا في الجدّ؛ فقال مالك وابن القاسم: لا يقطع.
وقال أشهب: يقطع.
وقول مالك أصح لأنه أب؛ قال مالك: أحب إلي ألا يقطع الأجداد من قبل الأب والأم وإن لم تجب لهم نفقة.
قال ابن القاسم وأشهب: ويقطع من سواهما من القرابات.
قال ابن القاسم: ولا يقطع من سرق من جوع أصابه.
وقال أبو حنيفة: لا قطع على أحد من ذوي المحارم مثل العمة والخالة والأخت وغيرهم؛ وهو قول الثوري.
وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق: يقطع من سرق من هؤلاء.
وقال أبو ثور: يقطع كل سارق سرق ما تقطع فيه اليد؛ إلا أن يجمعوا على شيء فيسلم للإجماع والله أعلم.
السابعة عشرة وأختلفوا في سارق المصحف؛ فقال الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور: يقطع إذا كانت قيمته ما تقطع فيه اليد؛ وبه قال ابن القاسم.
وقال النعمان: لا يقطع من سرق مصحفًا.
قال ابن المنذر: يقطع سارق المصحف.
واختلفوا في الطّرار يَطُرّ النفقة من الكُمّ، فقالت طائفة: يقطع من طَرَّ من داخل الكُم أو من خارج؛ وهو قول مالك والأوزاعي وأبي ثور ويعقوب.
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وإسحاق: إن كانت الدراهم مصرورة في ظاهر كُمّه فطَرَّها فسرقها لم يقطع، وإن كانت مصرورة إلى داخل الكُمّ فأدخل يده فسرقها قطع.
وقال الحسن: يقطع.
قال ابن المنذر: يقطع على أي جهة طَرّ.
الثامنة عشرة واختلفوا في قطع اليد في السفر، وإقامة الحدود في أرض الحرب؛ فقال مالك والليث بن سعد: تقام الحدود في أرض الحرب ولا فرق بين دار الحرب والإسلام.
وقال الأُوزاعيّ: يقيم من غزا على جيش وإن لم يكن أمير مصر من الأمصار الحدود في عسكره غير القطع.
وقال أبو حنيفة: إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه لا يقيم الحدود في عسكره، إلا أن يكون إمام مصر أو الشام أو العراق أو ما أشبهه فيقيم الحدود في عسكره.
استدل الأُوزاعيّ ومن قال بقوله بحديث جُنادة بن أبي أُمية قال: كنا مع بُسْر بن أَرْطاة في البحر، فأُتِي بسارق يقال له مِصدر قد سرق بُخْتِية، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقطع الأيدي في الغزو» ولولا ذلك لقطعته.
بُسْر هذا يقال وُلِد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له أخبار سوء في جانب عليّ وأصحابه، وهو الذي ذبح طفلين لعبيد الله بن العباس ففقدت أُمهما عقلها فهامت على وجهها، فدعا عليه عليّ رضي الله عنه أن يطيل الله عمره ويذهب عقله، فكان كذلك.
قال يحيى بن مَعِين: كان بُسْر بن أَرْطاة رجل سوء.
استدل من قال بالقطع بعموم القرآن؛ وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.
وأولى ما يحتج به لمن منع القطع في أرض الحرب والحدود: مخافة أن يلحق ذلك بالشرك.
والله أعلم.
التاسعة عشرة فإذا قطعت اليد أو الرجل فإلى أين تقطع؟ فقال الكافة: تقطع من الرسغ والرجل من المَفْصِل، ويحسم الساق إذا قطع.
وقال بعضهم: يقطع إلى المرفق.
وقيل: إلى المَنْكِب، لأن اسم اليد يتناول ذلك.
وقال عليّ رضي الله عنه: تقطع الرجل من شطر القدم ويترك له العِقب؛ وبه قال أحمد وأبو ثور.
قال ابن المنذر: وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقطع يد رجل فقال: «احسموها» وفي إسناده مقال؛ واستحب ذلك جماعة منهم الشافعيّ وأبو ثور وغيرهما، وهذا أحسن وهو أقرب إلى البرء وأبعد من التلف.